تقديم عام
إذا كانت البيئة هي الوسط الذي يعيش فيه الإنسان و الحاضن له، فإن مشكلاتها
تعتبر من أعقد المشكلات التي يواجهها العالم المعاصر، لذا سعى العلماء و ذوو
الاختصاص و المسئولون إلى محاولة إيجاد حلول لها و الحفاظ عليها، و رغم الجهود
المتضافرة إلا أن المشكلات مازالت في تصاعد، الأمر الذي زاد انشغال و اهتمام
الباحثين بقضايا البيئة، يتجلى ذلك من خلال الندوات و المؤتمرات التي تعقد في
أماكن مختلفة من العالم، و التي أوضحت أن سن القوانين و تخصيص الأموال و
التكنولوجيات الحديثة غير كافية للحفاظ على البيئة، ما لم يساندها وعي بيئي لأفراد
المجتمع.
لقد
أصبح الوعي البيئي ضرورة ملحة في عصرنا الحالي لدى جميع المجتمعات، وذلك نتيجة لما
أحدثه الإنسان من استنزاف للموارد الطبيعية و تلويث للبيئة، سواء كان هذا عن قصد
أو عن غير قصد، و حتى يتم نشر هذا الوعي بين أفراد المجتمع، لابد من التربية
البيئية التي تساعد على فهم العلاقة الوثيقة بين الإنسان و البيئة و طبيعتها
المعقدة، و تساهم في تغير سلوك الأفراد و الجماعات و إكسابهم أخلاق بيئية بغية إيجاد
الحلول للمشاكل البيئية.
إن التربية البيئية تسعى إلى إحداث التغيير اللازم في طرق التفكير و السلوك
البيئي عند المواطن بصفة عامة و المتعلم بصفة خاصة. فالتربية البيئية تهدف إلى
تطوير الوعي البيئي و خلق المعرفة البيئية الأساسية بغية بلورة سلوك بيئي إيجابي
بمثابة الشرط الأساسي، كي يستطيع الفرد أن يؤدي دوره بشكل فعال في حماية البيئة، و
بالتالي المساهمة في الحفاظ على الصحة العامة. لقد سارعت الحكومات و جمعيات
المجتمع المدني في معظم الدول إلى تطبيق التربية البيئية داخل المؤسسات التعليمية،
لكونها تلعب دورا كبيرا في تربية التلاميذ و صقل سلوكهم و نشر ثقافة الوعي البيئي
لديهم.
يعتبر المغرب من بين الدول التي أعطت أهمية للتربية البيئية في المؤسسات
التعليمية و يتضح هذا من التعديلات و الإصلاحات التي قام بها في منظومته التربوية،
حيث تم دمج مواضيع متعلقة بالبيئة في المواد الدراسية، و إدراج بعض الأنشطة
المدرسية اللاصفية لتدعيم هذه المواد، من خلال الأندية البيئية، الموجهة لجميع
الفئات المتواجدة داخل المؤسسات التعليمية، بحيث يمكن للمربي أن يعتمدها في دعم
الحس البيئي لدى المتعلم، وقد تم كل ذلك في إطار التربية البيئية التي أقرتها
وزارة التربية الوطنية.
يسعى
هذا البحث المتواضع إلى رصد طبيعة الأنشطة البيئية التي تزاول داخل الأندية
البيئية بالمؤسسات التعليمية، والكشف عن مدى مساهمتها في ترسيخ التربية البيئية، وذلك
من أجل تحديد المرتكزات الأساسية لوضع منهاج للتربية البيئية مستقل و قائم بذاته
داخل المنظومة التعليمية.
I. موضوع البحث
يسعى
هذا البحث الكشف عن عدة جوانب تتعلق بالأندية البيئية بالمؤسسات التعليمية وخاصة
ما يتعلق منها بالأنشطة التي تمارسها والاستراتيجيات البيداغوجية المعتمدة في
انجازها وذلك من خلال دراسة عينات محدودة من هذه الأندية بالمؤسسات التعليمية
بنيابة التعليم صخيرات- تمارة.
هذا البحث بالإضافة على اعتماده على نتائج دراسات و بحوث سابقة فهو يعتمد
استجماع معطيات ميدانية حول الأندية البيئية وتحليلها للكشف عن مواطن الخلل في
أنشطة النوادي والسعى إلى تحديد المرتكزات الأساسية لوضع منهاج مستقل للتربية
البيئية، منهاج قائم بذاته داخل المنظومة التعليمية بالمغرب أملا في ضبط التدخلات في جوانب التربية
البيئية وعند انجاز أنشطتها بغية تحقيق تغيير سلوك المتعلمين اتجاه البيئة.
II. أهمية البحث
يعتبر موضوع التربية البيئية من
المواضيع الحديثة التي غزت الميدان التربوي و التعليمي في العديد من الدول، و التي
فرضت نفسها على الساحة الدولية في الفترة الأخيرة، و يشغل بال المجتمعات باختلاف أنظمتها
و مستوى تقدمها الاقتصادي وتعقد من أجله المؤتمرات الدولية و الأقليمية، و تخطط له
الدول في مشاريعها الإنمائية، صفحات
المجلات الجرائد و الكتب، ويتردد على ألسنة الإيكولوجيين و رجال السياسة و
الاقتصاد، وهذا الاهتمام المتزايد بموضوع البيئة نابع من تعقد المشكلات البيئية و استفحالها، مع تزايد
الأخطار التي تهدد حياة و مختلف الكائنات الحية، نتيجة الثورة الصناعية و الاقتصادية التي عرفها العالم منذ القرن التاسع عشر، وفي
الوقت الحاضر بالخصوص.
أمام تنامي الوعي بضرورة البحث عن أنجع السبل
للحفاظ على البيئة، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من موروثنا الطبيعي، حظيت التربية البيئية داخل المنظومة التعليمية بأهمية
خاصة في معالجة قضايا البيئة و الحد من استفحالها لاستهدافها تغيير سلوك التلاميذ
وتحقيق الوعي لديهم، لهذا فوضع منهاج دراسي مستقل خاص بالتربية البيئية يعتبر ضرورة
ملحة، و هو مدخل أساسي لاكتساب الوعي البيئي من طرف المتعلمين، و تزويدهم
بالمعلومات و القيم، واكتسابهم القدرات و المهارات الحسية و الحركية و الوجدانية
التي تتيح تغيير أنماط المعايير و السلوكيات اتجاه البيئة، وكل ذلك ابتداءا من أولى
المراحل العمرية.
III. دوافع البحث و مبرراته
تم اختيار هذا الموضوع، نظرا للاعتبارات و الدوافع التالية :
§
ما هو ذاتي : من أجل الأهداف المتوخاة من مجزوءة البحث
التربوي والتي تتجلى في القدرة على رصد الظواهر و الوقائع التربوية و المهنية و اكتساب
منهجيات البحوث و التمكن من تجميع المعطيات النظرية المرتبطة بإشكالية البحث، إضافة
إلى القدرة على تحليل و تفسير البيانات المجمعة للبحث و التمكن من استخلاص و صياغة
الخلاصات و تقديم البحث.
§
اعتبارا لتزايد التدهور البيئي الذي نلاحظه
يوما بعد يوم، مما ولد لدينا اقتناع بأن الظاهرة تستحق اهتماما أكبر.
§
اعتبارا لكوننا اطلاعنا على العديد من
التقارير حول المشكلات البيئية قد يمكننا
من معرفة حجم خطورتها، للتفكير في كيفية المساهمة في التقليص منها من خلال
المساهمة في تربية الأجيال الصاعدة.
§
كون هذا البحث سيشكل إسهاما متواضعا لإثراء
خزانة البحوث التربوية الخاصة بالتربية البيئية.
§
ما هو موضوعي : يرتبط بكون عدة تأهيل الأساتذة بالمركز الجهوي
لمهن التربية والتكوين تتضمن مجزوءة البحث كمجزوءة تكوين رئيسية يتم العمل من
خلالها لكي يكتسب الأستاذ المتدرب كفاية مهنية
تتجلى في تمكنه من القيام ببحث تربوي يساعده على اقتراح حلول عملية قابلة
للإنجاز لمعالجة إشكالية تربوية معينة.
IV. إشكالية البحث
يحظى مشكل البيئة باهتمام متزايد من طرف المنتظم
الدولي و ذلك نتيجة النمو الديمغرافي و العمراني
و الصناعي الهائل، الذي يؤثر سلبا على المحيط البيئي.
من هذا
المطلق سارع المغرب إلى معالجة مشكلات البيئة و المحافظة على
الموارد الطبيعية عبر سن العديد من القوانين والتشريعات شأنه في ذلك شأن باقي دول العالم الهدف منها حماية البيئة، لكن هذه القوانين و
التشريعات لم تصبو إلى مستوى التطلعات في مجال حماية البيئة،
و قد عزا الخبراء هذا القصور في المقام الأول إلى القصور الواضح في النظام
التعليمي الذي لا يسهم في تنشئة مواطنين واعين و مهتمين بالبيئة و ما يرتبط بها من مشكلات و الالتزام بحمايتها.
انطلاقا من هذا المعطى، نود من خلال هذا البحث
و في غياب منهاج دراسي للتربية البيئية بالمدرسة المغربية، الكشف عن واقع و طبيعة
الأنشطة البيئية التي تزاول داخل المؤسسات التعليمية بنيابة صخيرات- تمارة من خلال
الإجابة على التساؤلات التالية:
§
ما هو برنامج عمل و أنماط الأنشطة البيئية
التي تقوم بها الأندية البيئية بالمؤسسات التعليمية ؟
§
هل يتم التخطيط للأنشطة البيئية، و ما هي
الاستراتيجيات البيداغوجية المعتمدة لإكساب
المتعلمين سلوكات ايجابية اتجاه البيئة ؟
§
ما هي مؤهلات المسؤول على تأطير النادي
البيئي ؟
§
هل هناك توزيع زمني محدد و ملائم للأنشطة
البيئية داخل المؤسسات التعليمية ؟
§
ما هي الفئات المشاركة و المستفيدة من الأنشطة
البيئية للنادي ؟
§
ما هي مصادر دعم الأنشطة البيئية داخل
المؤسسات التعليمية ؟
V. أهداف البحث
نسعى من خلال هذا البحث تحقيق الأهداف التالية:
§
الكشف عن برامج عمل الأندية البيئية و أنماط الأنشطة
التي تقوم بها، و المشرفين عليها.
§
تحديد الفئات المشاركة و المستفيدة من الأنشطة
البيئية للأندية البيئية.
§
التعرف على آليات عمل الأندية البيئية و الإستراتيجيات
البيداغوجية المعتمدة في إكساب المتعلمين سلوكات إيجابية اتجاه البيئة.
§
تحديد المرتكزات الأساسية في وضع منهاج
للتربية البيئية في المؤسسات التعليمية.
§
المساهمة في إحداث تراكم في مجال البحوث التربوية الخاصة
بالتربية البيئية.
VI. أدوات البحث
تعد أداة البحث وسيلة أساسية في
سيرورة البحث و بلوغ الأهداف المسطرة له، لذلك تم الاعتماد في إنجاز هذا البحث على
الأدوات التالية :
·
عينة البحث : باعتبارها العنصر الذي تنصب عليه الدراسة
و التحليل، و قد شملت الأندية البيئية بالمؤسسات التعليمية الثانوية بمسلكيها الإعدادي
و الثأهيلي المتواجد على تراب نيابة
صخيرات- تمارة.
·
الاستمارة : وهي الوسيلة الأساسية المعتمدة في البحث لجمع المعطيات الميدانية الضرورية للدراسة، حيث تم القيام بإحصائها و تبويبها للإجابة على التساؤلات
المطروحة للتعرف على خصائص الظاهرة المدروسة.
· مراجع مهتمة بموضوع التربية البيئية و
تتجلى أساسا في أبحاث و كتب و مجلات متخصصة في مجال علم البيئة و التربية البيئية.
· القيام بلقاءات مع الأساتذة المشرفين
على النوادي البيئية و رؤساء المؤسسات (المدير أو من ينوب عنه) لمساعدتهم و
توجيههم خلال ملآ الاستمارات، و التحقق من صحة الإجابات المقدمة من طرف المعنيين.
· زيارات للمؤسسات التعليمية لرصد واقع الأنشطة
البيئية على الميدان و الوقوف على بعض الإنجازات في إطار التربية البيئية.
VII. صعوبات البحث
لقد اعترضتنا أثناء إنجاز
البحث جملة من الصعوبات، و يمكن حصرها فيما يلي :
§
ضيق المدة المخصصة للقيام بالبحث : الصعوبة الرئيسية التي واجهتنا، حيث أن معظم
الوقت كان مخصصا للوضعيات المهنية و متابعة التكوين بالمركز، مع العلم أن تجميع
المعطيات الميدانية و إعداد و كتابة البحث تزامن مع الوضعية المهنية الأخيرة و وقت
التحضير للامتحانات.
§
عامل البعد : حيث تم تجميع المعطيات الميدانية انطلاقا
من المؤسسات الثانوية الإعدادية و التأهيلية المتواجدة بتراب مدينة تمارة.
VIII. محاور البحث
لقد قسمنا البحث إلى ثلاث فصول رئيسية و هي :
§
الفصل الأول
:
يلخص الخطوات المنهجية التي تم اعتمادها في
سيرورة البحث، و المفاهيم الموظفة في البحث.
§
الفصل الثاني :
الإطار
النظري لمفهوم التربية البيئية، و تشخيص أهم المشاكل البيئية التي يواجهها المغرب بصفة عامة، و جهة
الرباط-سلا-زمور-زعير بصفة خاصة، إضافة إلى تقديم نبذة عن تاريخ التربية
البيئية بالمؤسسات التعليمية المغربية.
§
الفصل الثالث
يلخص هذا الفصل الجانب التطبيقي للبحث و يشمل
: تبويب نتائج البحث، المبيانات الإحصائية لنتائج البحث، استخلاص دلالات البيانات الرقمية مع التحليل و التفسير، و يتناول هذا
الفصل كذلك الركائز الأساسية في وضع منهاج
للتربية البيئية داخل المؤسسات التعليمية.
لمن يرغب في الحصول على هذا البحث يمكن له التواصل معنا عبر الرابط التالي
تعليقات
إرسال تعليق